قانونية "عتبة 11" في مباراة الإدارة التربوية: تحليل قانوني شامل حول تحديد عتبات النجاح والطعن في نتائج المباريات الإدارية

 


العتبة المتغيرة: تحليل قانوني لخرق قواعد مباراة أطر الإدارة التربوية ومسارات الطعن القضائي

مقدمة: حينما تتراجع الإدارة عن قواعدها المعلنة

إن ولوج الوظائف العمومية، كما يكفله الدستور المغربي، ليس منحة من الإدارة، بل هو حق يخضع لمبادئ صارمة من الاستحقاق وتكافؤ الفرص والشفافية.1 هذه المبادئ تشكل سياجاً قانونياً يضمن ألا تكون قرارات الإدارة تحكمية، وأن يخضع الجميع لنفس القواعد المعلنة مسبقاً. في قلب هذا النظام يكمن مبدأ "الأمن القانوني" الذي يقتضي أن تكون قواعد اللعبة واضحة ومستقرة، وألا تتغير بشكل مفاجئ بعد انطلاق المنافسة.

تأتي هذه الدراسة لتحليل حالة فريدة ومقلقة في مباراة ولوج سلك تكوين أطر الإدارة التربوية لدورة يوليوز 2025. فالإشكالية هنا لم تعد مجرد تساؤل حول كيفية تحديد العتبة، بل تحولت إلى قضية خرق واضح ومباشر للقواعد التي وضعتها الإدارة بنفسها. لقد تم الإعلان رسمياً في البداية عن أن التأهل للاختبار الشفوي يقتضي الحصول على معدل 10/20 ، وهو ما بنى عليه المترشحون ثقتهم المشروعة. لكن، وبشكل مفاجئ ولاحق، تم اعتماد معيار جديد يرفع هذه العتبة إلى 11/20، مما أقصى مترشحين كانوا يعتبرون ناجحين وفقاً للقاعدة الأصلية.

هذا التقرير، المستند إلى التسلسل الزمني للقرارات الصادرة، سيفكك الأبعاد القانونية لهذا التراجع الإداري. سنوضح كيف أن القرار الأول (10/20) هو "قانون المباراة" الملزم، وأن أي تغيير لاحق له يعتبر قراراً إدارياً معيباً وقابلاً للإلغاء، وسنرسم خارطة طريق إجرائية دقيقة للمتضررين لاستعادة حقوقهم عبر مساطر الطعن الإداري والقضائي.

الفصل الأول: القوة الإلزامية لقواعد المباراة في مواجهة سلطة الإدارة

لفهم عمق الخلل القانوني في هذه القضية، يجب أولاً تأصيل المبادئ التي تحكم سلطة الإدارة في تنظيم المباريات، والتي تؤكد أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل مقيدة بالقانون الذي تضعه هي بنفسها.

المبحث الأول: "قانون المباراة" كمرجع أعلى ملزم للجميع

يعتبر المرسوم رقم 2.11.621 الصادر في 25 نونبر 2011 الإطار المرجعي الأساسي لتنظيم مباريات التوظيف. يفرض هذا المرسوم على الإدارة تحديد شروط وإجراءات وبرامج المباراة مسبقاً بموجب قرار ينشر لضمان علم جميع المترشحين به. هذا القرار، ومعه كل المذكرات والإعلانات الرسمية الصادرة لتنظيمه، يشكل ما يعرف في الفقه القانوني بـ"قانون المباراة". هذا "القانون الخاص" له قوة إلزامية تجاه طرفين:

المترشحون: ملزمون باحترام الشروط والإجراءات المنصوص عليها.
الإدارة: ملزمة بشكل صارم بتطبيق القواعد التي أعلنت عنها بنفسها، ولا يمكنها التحلل منها أو تغييرها بشكل انفرادي بعد بدء المباراة.
هذا الالتزام الذاتي للإدارة هو تطبيق لمبدأ قانوني راسخ: "لا يجوز للإدارة مخالفة القواعد التي سنتها". أي خروج عن هذا المبدأ يجعل قرارها مشوباً بعيب "مخالفة القانون" ، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى إلغاء القرار الإداري أمام القضاء.


المبحث الثاني: تحليل التسلسل الزمني للقرارات: من 10/20 إلى 11/20

تكمن الإشكالية القانونية في هذه الحالة في التسلسل الزمني للقرارات التي اتخذتها الإدارة، والذي يكشف عن تناقض صارخ:

  • القرار الأول (القاعدة الأصلية): إعلان المباراة الصادر بتاريخ 18 يونيو 2025 هذا الإعلان، وهو الوثيقة التأسيسية للمباراة، نص بشكل صريح وواضح في صفحته الثانية على ما يلي:
"يتأهل لاجتياز الاختبار الشفوي المترشحون الذين حصلوا على معدل عام يساوي على الأقل 10 من 20 في الاختبارات الكتابية...". هذه هي القاعدة القانونية الأصلية والملزمة.

  • القرار الثاني (القاعدة المعدَّلة): المذكرة اللاحقة التي تضمنت "معايير النجاح"، والتي نصت على أن أحد معايير النجاح هو "الحصول على معدل عام يساوي أو يفوق 11 على 20". هذا القرار لم يكن توضيحاً، بل كان تعديلاً جوهرياً للقاعدة الأصلية.
هذا التسلسل يثبت أن الإدارة لم تطبق القاعدة التي أعلنتها في البداية، بل قامت بتغييرها بعد انطلاق المباراة. هذا التصرف يضرب في الصميم مبدأ حماية الثقة المشروعة والأمن القانوني، اللذين يقتضيان أن يتمكن الأفراد من توقع نتائج تصرفاتهم بناءً على القواعد القانونية السارية وقت اتخاذهم لتلك التصرفات.

المبحث الثالث: التمييز الحاسم بين "عتبة التأهيل" و"عتبة الانتقاء"

في ضوء هذه المعطيات الجديدة، يصبح التمييز بين المفهومين أكثر أهمية:

  • "عتبة التأهيل الأولي": هي الحد الأدنى الذي حددته الإدارة مسبقاً في إعلان المباراة لاعتبار المترشح مؤهلاً للمرور إلى المرحلة الموالية. في حالتنا، هذه العتبة كانت 10/20 بشكل لا يقبل الجدل، وفقاً للإعلان الرسمي. كل من حصل على 10 فما فوق كان يجب، بحكم القانون، أن يتأهل للشفوي.
  • "عتبة الانتقاء النهائية": هي معدل آخر مترشح تم قبوله نهائياً بعد اجتياز جميع المراحل (الكتابي والشفوي) وفي حدود المناصب المتاحة. هذه العتبة متغيرة وتعتمد على تنافسية المترشحين.

المشكلة هنا لا تتعلق بـ "عتبة الانتقاء النهائية"، بل تتعلق بتغيير "عتبة التأهيل الأولية" من 10 إلى 11، وهو إجراء غير قانوني.

الفصل الثاني: تحليل مشروعية قرار رفع العتبة والآثار المترتبة عليه

بناءً على الإطار القانوني الراسخ، ننتقل الآن لتحليل القرار الإداري برفع العتبة، وتفكيك العيوب القانونية التي تشوبه، وتوضيح آثاره على حقوق المترشحين.

المبحث الأول: عدم مشروعية قرار رفع العتبة إلى 11/20

إن قرار الإدارة باعتماد عتبة 11/20 كشرط للتأهيل للشفوي، بعد أن كانت قد أعلنت رسمياً أن العتبة هي 10/20، هو قرار إداري باطل ومشوب بعيوب جوهرية تجعله قابلاً للإلغاء، وأهمها:

  • عيب مخالفة القانون: هذا هو العيب الأكثر وضوحاً. الإدارة خالفت نصاً قانونياً وضعته بنفسها (إعلان المباراة). القضاء الإداري المغربي مستقر على أن الإدارة ملزمة باحترام قراراتها التنظيمية، وأن مخالفتها تجعل قراراتها اللاحقة غير مشروعة.6 لقد أنشأ الإعلان الأصلي مركزاً قانونياً للمترشحين، وهو حقهم في التأهل للشفوي عند الحصول على 10/20، والقرار الجديد سلبهم هذا الحق المكتسب.
  • عيب الانحراف في استعمال السلطة: حتى لو حاولت الإدارة تبرير قرارها بأسباب لوجستية (مثل عدم القدرة على تنظيم الاختبار الشفوي لعدد كبير من الناجحين)، فإن هذا التبرير لا يصمد أمام القضاء. الغاية من المباراة هي انتقاء الأجدر كفاءة، وليس تقليص عدد الناجحين لأسباب تنظيمية. استخدام سلطة تحديد العتبة لتحقيق غاية أخرى غير تلك التي من أجلها منحت السلطة للإدارة، يشكل انحرافاً واضحاً بالسلطة.

المبحث الثاني: العلاقة بين العتبة الوطنية والخصاص الجهوي


إن آلية التوفيق بين العتبة الوطنية الموحدة والخصاص الجهوي تظل كما شرحناها سابقاً، لكن مع تصحيح جوهري:

  • المستوى الوطني (مرحلة التأهيل): كان يجب على المركز الوطني للامتحانات أن يطبق "عتبة التأهيل الأولية" المحددة في 10/20 على جميع المترشحين وطنياً، كما نص على ذلك الإعلان الرسمي.
  • المستوى الجهوي (مرحلة الانتقاء): بعد ذلك، يتم توزيع قوائم جميع المؤهلين (الحاصلين على 10 فما فوق) على اللجان الجهوية. كل لجنة تقوم بترتيبهم تنازلياً حسب الاستحقاق وتختار منهم العدد المطلوب حسب الخصاص الجهوي.
الخطأ الذي ارتكبته الإدارة هو أنها قامت بالفرز الأولي على أساس عتبة 11/20 غير القانونية، مما حرم مترشحين حاصلين على معدلات بين 10 و 10.99 من فرصة الدخول في المنافسة على المستوى الجهوي.

المبحث الثالث: حجب النقط كعائق إجرائي يمكن تجاوزه

يبقى امتناع الإدارة عن نشر النتائج مفصلة بالنقط تحدياً إجرائياً، لكنه ليس حائطاً منيعاً. بل إن رفضها تزويدك بنقطتك بعد طلب رسمي هو في حد ذاته قرار إداري سلبي يمكنك الطعن فيه. هذا الرفض هو مفتاحك للولوج إلى القضاء، حيث لا يمكنك إثبات تضررِك من عتبة 11/20 دون أن تثبت أولاً أن معدلك كان 10/20 أو أكثر. القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات يقف في صفك، ويمنحك الحق في الاطلاع على نقطتك التي تعتبر معلومة شخصية تخصك.

الفصل الثالث: التدابير العملية للطعن واستعادة الحق

أمام هذا الخرق القانوني الواضح، يجب سلوك المساطر الصحيحة وفي الآجال المحددة.

المبحث الأول: المسطرة الإدارية التمهيدية (خطوات لا غنى عنها)

الخطوة 1: طلب بيان النقط (بشكل فوري):

  • الإجراء: قدم طلباً مكتوباً وموقعاً إلى الجهة المنظمة للمباراة (الوزارة أو الأكاديمية)، تطلب فيه رسمياً الحصول على بيان نقطك المفصل في الاختبارات الكتابية.
  • الأهمية: هذا الطلب ضروري لإثبات "المصلحة في الدعوى". احتفظ بوصل إيداع الطلب (من مكتب الضبط) أو إشعار بالاستلام (من البريد المضمون) كدليل قاطع على قيامك بهذه الخطوة.

الخطوة 2: التظلم الإداري الاستعطافي:

  • الإجراء: بعد الحصول على نقطتك، أو بعد مرور 60 يوماً على طلبها دون جواب (مما يعتبر رفضاً ضمنياً)، قدم "تظلماً إدارياً" مكتوباً إلى نفس الجهة. في هذا التظلم، يجب أن: توضح أنك حصلت على معدل يساوي أو يفوق 10/20. ترفق نسخة من إعلان المباراة الأصلي الذي ينص على عتبة 10/20. ترفق نسخة من الوثيقة اللاحقة التي اعتمدت عتبة 11/20 (إن توفرت لديك). تبين أن قرار إقصائك استناداً إلى عتبة 11/20 هو قرار مخالف للقانون وللقواعد التي أعلنتها الإدارة بنفسها.تلتمس مراجعة القرار وإدراجك ضمن لائحة المتأهلين للاختبار الشفوي. الآجال: يجب تقديم التظلم داخل أجل 60 يوماً من تاريخ نشر النتائج النهائية.

المبحث الثاني: المسطرة القضائية (دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة)

إذا تم رفض تظلمك صراحة، أو إذا التزمت الإدارة الصمت لمدة 60 يوماً أخرى بعد تقديم التظلم، يمكنك اللجوء إلى القضاء الإداري.

  • الإجراء: يجب توكيل محامٍ مقبول للترافع أمام المحاكم الإدارية لرفع "دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة".
  • المحكمة المختصة: المحكمة الإدارية التي يقع في دائرة نفوذها مقر السلطة التي أصدرت القرار (غالباً المحكمة الإدارية بالرباط).
  • الأجل: يجب رفع الدعوى داخل أجل 60 يوماً من تاريخ تبليغك بالرفض الصريح للتظلم، أو من تاريخ انتهاء أجل 60 يوماً على سكوت الإدارة (الرفض الضمني).
  • أساس الدعوى: يجب أن يؤسس محاميك الدعوى على "عيب مخالفة القانون" كسبب رئيسي، مدعماً بالحجج الدامغة المتمثلة في إعلان المباراة الأصلي 3 الذي يثبت قاعدة 10/20.

جدول إجرائي مقترح لمسطرة الطعن

الخطوة

الإجراء المطلوب

الجهة الموجه إليها

الأجل القانوني

الأساس القانوني والملاحظات

1: التمهيد

طلب بيان النقط

الإدارة المنظمة للمباراة (الوزارة/الأكاديمية)

فوراً بعد النتائج

إلزامي لإثبات المصلحة. القانون 31.13. احتفظ بوصل الإيداع.

2: الطعن الإداري

تقديم تظلم إداري مدعم بالحجج

نفس الإدارة (الجهة المصدرة للقرار)

60 يوماً من تاريخ نشر النتائج

إلزامي قبل اللجوء للقضاء. أرفق نسخة من إعلان المباراة (10/20). صمت الإدارة لـ 60 يوماً = رفض ضمني.

3: الطعن القضائي

رفع دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة

المحكمة الإدارية المختصة (عبر محامٍ)

60 يوماً من تاريخ الرفض (الصريح أو الضمني) للتظلم

السبيل القضائي النهائي. الحجة الأساسية هي مخالفة الإدارة لإعلان المباراة الأصلي.



خاتمة:

إن إعلان المباراة الأصلي الذي حدد عتبة التأهيل في 10/20 هو قانون المباراة الملزم ، وقرار الإدارة اللاحق برفعها إلى 11/20 هو خرق واضح لمبدأ المشروعية يخولك حق الطعن بالإلغاء. يوجب عليك سلوك مسطرة الطعن الإداري أولاً عبر طلب نقطتك ثم تقديم تظلم مدعم بالوثائق. وفي حالة الرفض، فإن القضاء الإداري هو سبيلك لإنصافك وإلغاء القرار غير المشروع.

إذا أعجبك الموضوع، اضغط إعجاب للصفحة

أحدث أقدم

نموذج الاتصال