حدود مهام الأستاذ في ضوء النظام الأساسي 2024 والمشاريع الإصلاحية: تحليل قانوني للواجبات الإلزامية والمهام الإضافية
مهام الأستاذ: القانون والتطوع
مقدمة: تحولات دور الأستاذ في سياق إصلاح المدرسة العمومية المغربية
يشهد قطاع التربية الوطنية في المغرب دينامية إصلاحية متسارعة، تستمد مرجعيتها العليا من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 والقانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي. تهدف هذه الإصلاحات، في جوهرها، إلى تحقيق أهداف طموحة تتمثل في بناء "مدرسة الجودة والإنصاف والارتقاء"، وهو ما استدعى بالضرورة إعادة تعريف وتحديد أدوار مختلف الفاعلين التربويين، وفي مقدمتهم هيئة التدريس التي تعتبر حجر الزاوية في أي عملية إصلاحية.
في هذا السياق، تبرز إشكالية محورية تتعلق بالحدود القانونية الدقيقة لمهام الأستاذ. فمع صدور النظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بموجب المرسوم رقم 2.24.140 بتاريخ 23 فبراير 2024، والذي سعى إلى توحيد هيئة التدريس تحت صفة "موظف" وإنهاء وضعية "التعاقد" التي سادت لسنوات، ظهرت التزامات مهنية جديدة وتوسعت دائرة المهام المنتظرة من الأستاذ. وقد أدى هذا التطور، مقترناً بتنزيل مشاريع إصلاحية كبرى مثل "مشروع المؤسسة المندمج" و"مدارس الريادة"، إلى خلق حالة من عدم الوضوح، وأحياناً الجدل، حول طبيعة هذه المهام الجديدة وحدودها القانونية.
يهدف هذا التقرير إلى تقديم تحليل قانوني معمق ومفصل لواجبات الأستاذ في المنظومة التربوية المغربية الحالية. وتعتمد منهجية التحليل على تفكيك النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة، للتمييز بشكل دقيق بين ثلاثة أنواع من المهام: أولاً، الواجبات الوظيفية الأساسية والإلزامية المنصوص عليها صراحة في النظام الأساسي. ثانياً، الالتزامات المهنية المستجدة التي اكتسبت طابعاً إلزامياً بحكم القانون، وأبرزها الانخراط في "مشروع المؤسسة المندمج". وثالثاً، المهام الإضافية المرتبطة بمشاريع محددة ومؤطرة زمنياً، كنموذج "مدارس الريادة"، مع تحليل طبيعتها القانونية المركبة التي تتأرجح بين الطوعية والتعاقد والتحفيز المادي.
الفصل الأول: الإطار القانوني العام: من "متعاقد" إلى "موظف" وتكريس الالتزامات المهنية
إن فهم حدود مهام الأستاذ اليوم يقتضي العودة إلى المرجعيات القانونية التي أعادت تشكيل العلاقة بين هيئة التدريس والدولة، والتي نقلت الأستاذ من وضعية مهنية هشة إلى إطار وظيفي موحد، مقابل تكريس التزامات مهنية أوسع نطاقاً.
1.1. المرجعية العليا: القانون الإطار 51.17
يعتبر القانون الإطار رقم 51.17، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 9 غشت 2019، بمثابة المرجعية التشريعية العليا التي تضع "الإطار للأهداف الأساسية لنشاط الدولة" في ميادين التربية والتكوين والبحث العلمي. ورغم أن هذا القانون لم يتطرق إلى التفاصيل الدقيقة للمهام اليومية للأستاذ، إلا أنه أرسى مبادئ ومفاهيم استراتيجية كان لها تأثير مباشر وعميق على تحديد هذه المهام لاحقاً.
من أبرز هذه المفاهيم، مفهوم "مشروع المؤسسة" الذي عرفته المادة الثانية من القانون الإطار بأنه "الإطار المنهجي الموجه لمجهودات جميع الفاعلين التربويين والشركاء" و"الآلية العملية الضرورية لتنظيم وتفعيل مختلف العمليات التدبيرية والتربوية الهادفة إلى تحسين جودة التعلمات". بهذا التعريف، لم يعد مشروع المؤسسة مجرد وثيقة شكلية، بل أصبح آلية مركزية في حكامة المؤسسات التعليمية، مما يمهد الطريق لجعل الانخراط فيه جزءاً من مهام الفاعلين التربويين. علاوة على ذلك، ألزمت المادة 59 من القانون الإطار الحكومة بوضع برمجة زمنية محددة لإعداد النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه، ويعد النظام الأساسي الجديد لسنة 2024 أحد أهم هذه النصوص التنفيذية التي جاءت لتنزيل هذه التوجهات الكبرى.
1.2. النظام الأساسي 2024: التوحيد وتحديد الواجبات العامة
يمثل المرسوم رقم 2.24.140 في شأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية، والذي صدر في الجريدة الرسمية عدد 7277 بتاريخ 26 فبراير 2024، نقطة تحول مفصلية في تاريخ تدبير الموارد البشرية بقطاع التعليم. لقد جاء هذا المرسوم، الذي توج حواراً اجتماعياً قطاعياً ماراثونياً، ليحقق المطلب الرئيسي الذي ناضلت من أجله فئة "الأساتذة أطر الأكاديميات" لسنوات، وهو الإدماج الكامل في أسلاك الوظيفة العمومية.
فالمادة الأولى من المرسوم تضفي صفة "موظف" على جميع العاملين بالقطاع، بمن فيهم الأطر الذين تم توظيفهم بموجب القانون 07.00 المتعلق بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين. وبهذا، تم طي صفحة "التوظيف بالتعاقد" الذي بدأ سنة 2016، وما رافقه من جدل حول الأمن الوظيفي والمساواة في الحقوق والمسار المهني.
في مقابل هذا المكسب التاريخي المتمثل في توحيد الإطار القانوني وتوفير الاستقرار الوظيفي، يكرس النظام الأساسي الجديد مجموعة من الواجبات والالتزامات العامة التي تنطبق على جميع الموظفين، بمن فيهم الأساتذة. فالمادة 6 من المرسوم تلزم الموظفين بما يلي:
- الحفاظ على تجهيزات وممتلكات الإدارة ومؤسسات التربية والتعليم والتكوين وترشيد استعمالها.
- احترام الأنظمة الداخلية لمؤسسات التربية والتعليم والتكوين.
- التقيد بمبادئ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص والنزاهة والشفافية والموضوعية أثناء ممارسة مهامهم.
- الاستحضار الدائم لـ "المصلحة الفضلى للمتعلمين" كبوصلة توجه ممارساتهم المهنية.
كما يفرض نفس النظام الأساسي قيوداً مهنية واضحة، حيث يمنع على الموظفين منعاً باتاً إعطاء دروس خصوصية بمقابل مادي لمتعلمي مؤسسات التربية والتعليم العمومي التي يزاولون مهامهم بها، ولا يسمح لهم بمزاولة مهام التدريس أو أي مهام أخرى بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي إلا بعد الحصول على ترخيص كتابي مسبق من السلطة المختصة.
إن التحليل المتعمق لهذه التحولات يكشف عن نشوء ما يمكن اعتباره "عقداً اجتماعياً جديداً" بين الدولة وهيئة التدريس. فمن خلال مرسوم 2.24.140، استجابت الدولة للمطلب الرئيسي المتمثل في الإدماج في الوظيفة العمومية، منهية بذلك حالة الهشاشة الوظيفية التي كانت مصدراً للاحتجاج لسنوات. وفي المقابل، ومن خلال نفس النص القانوني، كرست الدولة التزامات جديدة وأكثر شمولية، تتجاوز حدود القسم الدراسي التقليدي. ويبرز هذا "المقابل" بشكل جلي في المادة المتعلقة بتقييم الأداء المهني، التي جعلت من "الانخراط في تنزيل مشروع المؤسسة المندمج" معياراً أساسياً للترقي في الرتبة والدرجة. بهذا، لم يعد الأمر مجرد تحديث تشريعي، بل هو إعادة ضبط جوهرية للعلاقة: فالأمن الوظيفي الذي تم منحه يقابله الآن توقع أداء أعلى والتزام أوسع، حيث لم يعد دور الأستاذ محصوراً في التدريس داخل الفصل، بل امتد قانونياً ليصبح فاعلاً ومساهماً نشطاً في مشروع استراتيجي على مستوى المؤسسة بأكملها.
الفصل الثاني: المهام الجوهرية لهيئة التدريس: بين النص الصريح والتأويل العملي
يشكل تحديد المهام الأساسية والإلزامية لهيئة التدريس نقطة الانطلاق لأي تحليل يهدف إلى ترسيم حدود مسؤولياتها. ورغم أن النص الكامل للمواد الخاصة بمهام هيئة التدريس في مرسوم 2.24.140 لم يكن متاحاً بشكل كامل في المصادر المستقاة، إلا أنه يمكن استنباط هذه المهام الجوهرية من خلال تقاطع أهداف القانون الإطار والنظام الأساسي نفسه، ومهام الهيئات الأخرى ذات الصلة.
2.1. مهام التدريس والتربية والتقويم
تظل المهام التقليدية المتمثلة في التربية والتدريس هي جوهر عمل الأستاذ. ويشمل ذلك تطبيق المناهج والبرامج الرسمية، وتنمية المهارات والكفايات اللازمة لدى المتعلمين، وإكسابهم القدرة على التواصل والانفتاح والتفكير النقدي، بما ينسجم مع الأهداف العامة لمنظومة التربية والتكوين.
إلى جانب التدريس، يعتبر التقويم جزءاً لا يتجزأ من مهام الأستاذ. ويتخذ هذا التقويم أشكالاً متعددة، بدءاً من التقويم التكويني المستمر داخل الفصل، وصولاً إلى المشاركة الإلزامية في مختلف العمليات التقويمية والإشهادية. ويشمل ذلك المساهمة في لجان الامتحانات والمباريات والمداولات، وكذا المشاركة في عملية الحراسة، وهي مهام تم التنصيص عليها ضمن مهام هيئات أخرى كالتفتيش، مما يؤكد طابعها العام والملزم لكافة الفاعلين.
2.2. المشاركة في الحياة المدرسية وتنظيمها
يتجاوز دور الأستاذ الحديث حدود الفصل الدراسي ليشمل مساهمة فاعلة وإلزامية في الحياة المدرسية. وينص النظام الأساسي على ضرورة احترام الأنظمة الداخلية للمؤسسات، وهو ما يعني ضمنياً المشاركة في الآليات التي تضمن السير العادي لهذه المؤسسات. ويشمل ذلك المساهمة في تأطير الأنشطة المدرسية والموازية المتعلقة بمجالات مختلفة، والمشاركة في هياكل الحكامة الداخلية للمؤسسة، وعلى رأسها مجلس التدبير، والمجلس التربوي، ومجالس الأقسام. ورغم أن هذه المهام كانت موجودة في التشريعات السابقة، إلا أنها تكتسب اليوم وزناً أكبر في ظل المقاربة الجديدة التي تركز على المؤسسة كوحدة مستقلة للتخطيط والتغيير والإصلاح.
ولتوضيح هذه المهام بشكل دقيق، يقدم الجدول التالي عرضاً تركيبياً للواجبات الأساسية الإلزامية لهيئة التدريس، مع ربطها بمرجعيتها القانونية وطبيعة الالتزام المترتب عنها.
جدول 1: المهام الأساسية الإلزامية لهيئة التدريس وفق المرجعيات القانونية
| المهمة / الواجب | المرجعية القانونية / التنظيمية | طبيعة الالتزام |
|---|---|---|
| التربية والتدريس | القانون الإطار 51.17؛ مرسوم 2.24.140 | إلزامي وجوهري، صلب الوظيفة. |
| تقييم التعلمات والمشاركة في الامتحانات | مرسوم 2.24.140 (استنباطاً من مهام التفتيش) | إلزامي، جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية. |
| المشاركة في مجالس المؤسسة | التشريعات المنظمة للحياة المدرسية؛ مرسوم 2.24.140 | إلزامي، واجب يندرج ضمن الحكامة الداخلية. |
| المساهمة في الأنشطة المدرسية والموازية | مرسوم 2.24.140 (استنباطاً) | إلزامي، يندرج ضمن مهام التربية والتنشيط. |
| احترام الضوابط المهنية والأخلاقية | مرسوم 2.24.140 (المادة 6) | إلزامي، واجب عام مرتبط بصفة الموظف. |
| الانخراط في تنزيل مشروع المؤسسة المندمج | مرسوم 2.24.140؛ القانون الإطار 51.17 | إلزامي، التزام مهني يؤثر على المسار المهني. |
الفصل الثالث: "مشروع المؤسسة المندمج": من آلية تدبيرية إلى التزام مهني
يمثل "مشروع المؤسسة المندمج" أحد المفاهيم المحورية في الإصلاح الحالي للمنظومة التربوية، وقد شهد مساره تطوراً لافتاً، حيث انتقل من مجرد إطار منهجي إلى التزام مهني مباشر ومقنن يؤثر على المسار الوظيفي للأستاذ.
3.1. الأساس القانوني لمشروع المؤسسة المندمج
تعود الجذور القانونية لمشروع المؤسسة إلى القانون الإطار 51.17، الذي أرساه كآلية عملية وضرورية لتحسين جودة التعلمات وإطار منهجي يوجه جهود جميع الفاعلين التربويين والشركاء. وقد تم التأكيد على هذا التوجه من خلال المشروع رقم 10 من مشاريع تفعيل القانون الإطار، والذي نص على "إرساء استقلالية المؤسسات التعليمية باعتماد مشروع المؤسسة". بناءً على هذه المرجعية العليا، صدرت مذكرات وزارية متعاقبة، مثل المذكرة 087.21، التي عملت على تعميم العمل بمشروع المؤسسة المندمج، وجعلته "المدخل الوحيد للتدبير والحكامة" داخل المؤسسات التعليمية.
3.2. تكريس الإلزامية في النظام الأساسي 2024
النقلة النوعية والحاسمة جاءت مع صدور النظام الأساسي الجديد في فبراير 2024. ففي الوقت الذي كانت فيه المشاركة في مشروع المؤسسة تعتبر في السابق، على المستوى العملي، التزاماً يقع على عاتق الإدارة التربوية بالدرجة الأولى، جاء المرسوم الجديد ليرسخ هذا الالتزام على المستوى الفردي لكل موظف. فالمادة المتعلقة بتقييم الأداء المهني والترقي في الرتبة، والتي تحدد المعايير التي يتم على أساسها تقييم الموظف، نصت بشكل صريح على أن هذا التقييم يأخذ بعين الاعتبار، من بين أمور أخرى، "الانخراط في تنزيل مشروع المؤسسة المندمج".
هذا التنصيص القانوني يغير بشكل جذري طبيعة العلاقة بين الأستاذ ومشروع المؤسسة. فالمشاركة لم تعد مساهمة اختيارية أو رمزية، بل أصبحت واجباً مهنياً مباشراً، يخضع للتقييم والمحاسبة، ويؤثر بشكل ملموس على التطور المهني والترقي في الرتب والدرجات. وبهذا، ترسخ الطابع "الإلزامي والتعاقدي" لمشروع المؤسسة، وأصبح الأستاذ ملزماً قانونياً بالمساهمة الفعالة في تحقيقه.
إن هذا المسار يكشف عن تدرج منهجي ومقصود في فرض هذا الالتزام، وهو ما يمكن وصفه بـ "التمدد الإلزامي للمشاريع". بدأت الفكرة كتوجه استراتيجي عام في القانون الإطار، حيث كانت المسؤولية تقع على المنظومة ككل. ثم انتقلت في مرحلة ثانية لتصبح إجراءً إدارياً ملزماً للمؤسسات عبر المذكرات الوزارية، لتصبح المسؤولية مؤسساتية. وأخيراً، في المرحلة الثالثة والحاسمة، أخذت طابع الالتزام الفردي المباشر من خلال النظام الأساسي الجديد، حيث أصبحت مسؤولية كل أستاذ على حدة، مرتبطة بمساره المهني. لقد تم نقل المسؤولية تدريجياً من الأعلى إلى الأسفل، من المنظومة إلى المؤسسة، ثم إلى الفرد، مما وسع بشكل قانوني لا لبس فيه من نطاق واجبات الأستاذ، الذي لم يعد مسؤولاً عن فصله الدراسي فقط، بل أصبح مسؤولاً أيضاً عن المساهمة في تحقيق خطة استراتيجية على مستوى المؤسسة بأكملها.
الفصل الرابع: نموذج "مدارس الريادة": تحليل قانوني للمهام "الطوعية" المحفزة
إذا كان "مشروع المؤسسة المندمج" يمثل التزاماً إلزامياً عاماً، فإن مشروع "مؤسسات الريادة" يقدم نموذجاً مختلفاً للمهام الإضافية، يرتكز على مبدأ الانخراط الطوعي مقابل تحفيز مادي، مما يطرح إشكاليات قانونية معقدة.
4.1. تعريف وأهداف "مدارس الريادة"
تم إطلاق مشروع "مؤسسات الريادة" كبرنامج هيكلي وتجريبي يهدف إلى إحداث تحول شامل في أداء المؤسسات التعليمية الابتدائية، وتحسين مستوى تحكم التلاميذ في التعلمات الأساس. يرتكز هذا المشروع على أربعة مكونات رئيسية:
- الدعم التربوي: اعتماد مقاربة "التدريس وفق المستوى المناسب" (TaRL) لتصحيح التعثرات الأساسية في القراءة والحساب.
- التكوين الإشهادي: إرساء نظام للتكوين الإشهادي والتأطير عن قرب لتمكين الأساتذة من اعتماد ممارسات بيداغوجية ناجعة.
- تجويد ظروف العمل: تأهيل الفضاءات المدرسية وتوفير الأدوات البيداغوجية والرقمية اللازمة.
- الحكامة: إشراك الفاعلين في إطار مشروع المؤسسة المندمج.
النقطة الجوهرية التي تميز هذا المشروع هي أن الانخراط فيه هو "انخراط فردي وطوعي لأعضاء الفريق التربوي داخل المؤسسة". وفي مقابل هذا الانخراط الطوعي وما يترتب عليه من مهام إضافية، يحصل الفريق التربوي للمؤسسات التي تحصل على شارة "مؤسسة رائدة" على "تحفيز مادي فردي يبلغ 10000 درهم صافي سنوياً".
4.2. الطبيعة القانونية للانخراط: تطوع أم علاقة عمل خاصة؟
يطرح الجمع بين مبدأ "الطوعية" و"التحفيز المادي" إشكالية قانونية عميقة. فلتحديد الطبيعة القانونية لهذا الانخراط، لا بد من مقارنته بالإطار القانوني المنظم للعمل التطوعي في المغرب، وهو القانون رقم 06.18 المتعلق بتنظيم العمل التطوعي التعاقدي.
يعرّف هذا القانون في مادته الثانية "العمل التطوعي التعاقدي" بأنه كل نشاط يقوم به شخص بشكل طوعي "ودون أجر"، بموجب عقد مكتوب، بهدف تحقيق منفعة عامة. وتؤكد المادة الخامسة من نفس القانون بشكل قاطع أن "عقد التطوع (...) لا يعتبر بمثابة عقد توظيف، أو عقد شغل، أو عقد تقديم خدمة".
بناءً على هذه النصوص، فإن التحفيز المادي السنوي الكبير (10000 درهم) المرتبط بالانخراط في "مدارس الريادة" يخرج هذا العمل من التعريف القانوني الصريح لـ "العمل التطوعي التعاقدي". فالأجر أو المقابل المادي هو العنصر الذي يميز علاقات العمل عن العمل التطوعي. هذا الوضع يخلق ما يمكن تسميته بـ "المفارقة الطوعية" ومنطقة رمادية قانونية. فالانخراط في مدارس الريادة ليس:
- واجباً وظيفياً أساسياً: لأنه يعتمد على مبدأ الطوعية والاختيار.
- عملاً تطوعياً قانونياً: لوجود مقابل مادي كبير يخرجه من تعريف القانون 06.18.
- عملاً إضافياً منظماً: لغياب إطار قانوني واضح (مثل نظام الساعات الإضافية) ينظم هذه المهام الإضافية وطبيعة التعويض عنها.
إنه في حقيقة الأمر يمثل "عقداً ضمنياً" أو "اتفاقاً خاصاً" بين الإدارة والأستاذ المنخرط، وهو عقد غير مكتوب وغير مقنن. هذه الوضعية، وإن كانت تمنح الإدارة مرونة كبيرة في تجريب الإصلاحات، إلا أنها تضع الأستاذ في موقف قانوني هش. ففي غياب عقد واضح يحدد شروط هذا "الاتفاق"، تبقى حقوق والتزامات الأستاذ غامضة. ما هي مؤشرات الأداء الدقيقة التي يستحق على أساسها التحفيز؟ ما هي الشروط التي يمكن بموجبها سحب هذا التحفيز؟ وما هي التبعات القانونية إذا توقف الأستاذ عن أداء هذه المهام الإضافية؟ هذا الغموض يترك الأستاذ يعمل بموجب "اتفاق شرف" بدلاً من إطار قانوني واضح وقابل للتنفيذ.
4.3. المخاوف النقابية والمهنية
أثارت هذه الوضعية القانونية الملتبسة، إلى جانب الأعباء الإضافية المترتبة عن المشروع، مخاوف جدية لدى الفاعلين التربويين والنقابيين. وتتلخص هذه المخاوف في النقاط التالية:
- الإرهاق المهني: الخوف من أن يؤدي المشروع إلى إغراق الأساتذة في مهام إضافية مرهقة، وتحويلهم إلى ما وصفه البعض بـ "عبيد" للمشروع.
- المساس بالحقوق المكتسبة: التوجس من أن يؤدي هذا النموذج إلى المساس بحقوق مكتسبة، مثل الحق في المشاركة في الحركة الانتقالية، أو فرض تكوينات إلزامية خلال العطل البينية.
- ضبابية التدبير: انتقدت النقابات "الضبابية" في تصور المشروع، خاصة فيما يتعلق بتدبير الزمن المدرسي وساعات العمل الأسبوعية.
- التبعية للمنحة: التحذير من أن يصبح الأساتذة "عبيد منحة 10000 درهم"، مما قد يدفعهم إلى قبول شروط عمل غير عادلة خوفاً من فقدان هذا التحفيز المادي.
الفصل الخامس: مهام التكوين والتنسيق: مسؤوليات مستجدة وإطارها الغائب
لم يقتصر توسع مهام الأستاذ على الانخراط في المشاريع، بل امتد ليشمل مهام جديدة في التكوين والتنسيق، والتي ظهرت كضرورة عملية لتنزيل هذه المشاريع، ولكن دون أن تحظى بتأطير قانوني واضح في النصوص الأساسية.
5.1. التكوين: من حق إلى واجب مشروط؟
في الإطار التقليدي، يعتبر التكوين المستمر حقاً للموظف يهدف إلى تطوير كفاءاته المهنية. لكن في سياق "مدارس الريادة"، يبدو أن طبيعة التكوين قد تغيرت. تتحدث الوثائق المؤطرة للمشروع عن "نظام للتكوين الإشهادي" و"تكوين مستمر عن قرب لتجويد الممارسة المهنية". هذا التكوين، الذي يركز على مقاربات بيداغوجية محددة مثل TaRL والتعليم الصريح، يبدو أنه شرط أساسي للانخراط في المشروع والاستفادة من التحفيز المادي.
تطرح هذه الوضعية إشكالية جوهرية: هل هذا التكوين لا يزال حقاً للأستاذ يمارسه وفق اختياره، أم أنه تحول إلى واجب مشروط ومفروض عليه كجزء من "صفقة" الانخراط في المشروع؟ وهل يتم هذا التكوين داخل أوقات العمل الرسمية أم خارجها، كما تخشى بعض الأطراف النقابية؟ إن غياب نص تنظيمي واضح يحدد طبيعة هذا الالتزام (مدته، توقيته، تعويضه) يجعله خاضعاً للتأويلات المفتوحة للإدارة التربوية، ويفتح الباب أمام إمكانية فرض أعباء تكوينية إضافية على الأساتذة دون مقابل واضح.
5.2. التنسيق: ظهور أدوار وظيفية غير رسمية
إن منطق "التدبير بالمشروع"، سواء في إطار "مشروع المؤسسة المندمج" أو "مدارس الريادة"، يقتضي درجة عالية من التنسيق والعمل الجماعي داخل ما يسمى بـ "الفريق التربوي". هذه الحاجة العملية أدت إلى ظهور أدوار وظيفية جديدة غير منصوص عليها في الهياكل التنظيمية الرسمية للمؤسسات التعليمية أو في النظام الأساسي. ومن أمثلة ذلك ظهور مهام "المنسق" أو "نقطة الارتكاز الجهوي" أو "الأستاذ الرئيس".
هذه الأدوار، رغم أهميتها العملية، تطرح تحديات قانونية وتنظيمية كبيرة. ففي حين يضع النظام الأساسي جميع الأساتذة في نفس المستوى الهرمي تحت السلطة المباشرة لمدير المؤسسة، فإن هذه المشاريع تخلق بنية تنظيمية موازية وغير رسمية. فدور "المنسق" مثلاً، يمنح صاحبه مسؤوليات إدارية وقيادية تجاه زملائه، لكن هذه السلطة تفتقر إلى أي سند قانوني. من يعين هذا المنسق؟ ما هي حدود سلطته على زملائه؟ وهل يتقاضى أي تعويض إضافي مقابل هذه الأعباء الإدارية الإضافية؟ إن غياب الإجابات القانونية الواضحة عن هذه الأسئلة يؤدي إلى نشوء "هرميات غير رسمية" داخل المؤسسات، قد تكون مصدراً للاحتكاك والنزاعات بين الزملاء، وتكرس مبدأ العمل الإضافي غير المعوض عنه.
خاتمة وتوصيات: نحو ترسيم واضح لحدود مهام الأستاذ
يقودنا التحليل القانوني للنصوص المؤطرة لعمل هيئة التدريس في المغرب إلى خلاصة تركيبية متعددة الأوجه. لقد نجح النظام الأساسي الجديد لسنة 2024 في توحيد الإطار الوظيفي، لكنه في المقابل وسع من نطاق التزامات الأستاذ، مما أدى إلى تداخل بين أنواع مختلفة من المهام:
- المهام الإلزامية الأساسية: وهي محددة نسبياً وتتعلق بالتدريس والتقويم والمشاركة في هياكل الحكامة المدرسية، وتشكل النواة الصلبة لواجبات الأستاذ.
- الالتزام الإلزامي المستجد: ويتمثل في الانخراط الفعلي في "مشروع المؤسسة المندمج"، الذي تحول من آلية تدبيرية إلى واجب مهني مباشر يؤثر على المسار الوظيفي للأستاذ.
- المهام الإضافية "الطوعية": ويجسدها نموذج "مدارس الريادة"، الذي يمثل حالة خاصة من المهام التي تتم بمقابل تحفيز مادي، وتقع في منطقة رمادية قانونية، حيث لا يمكن وصفها قانونياً بالعمل التطوعي ولا بالعمل الإضافي المقنن.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه المنظومة اليوم هو ما يمكن تسميته بـ "التمدد الصامت" لواجبات الأستاذ. حيث يتم إسناد مهام ومسؤوليات جديدة عبر آليات مرنة مثل "المشاريع" و"التعاقد حول الأهداف"، دون تأطيرها بنصوص قانونية وتنظيمية واضحة تحدد طبيعتها وحدودها وحقوق والتزامات كل طرف بدقة.
بناءً على هذا التحليل، يمكن تقديم التوصيات التالية:
- للإدارة التربوية وصناع القرار: هناك حاجة ملحة لإصدار نصوص تنظيمية (مذكرات تطبيقية، عقود-نماذج، دلائل مسطرية) تؤطر بشكل واضح ودقيق الانخراط في المشاريع الخاصة مثل "مدارس الريادة". يجب أن تحدد هذه الوثائق بدقة: المهام المطلوبة، الجدول الزمني، مؤشرات الأداء، طبيعة التحفيز المادي وعلاقته بالأداء، وحقوق الأستاذ المنخرط، خاصة فيما يتعلق باحتساب ساعات العمل الإضافية، والحق في التكوين، وشروط الانسحاب من المشروع.
- للفاعلين النقابيين: يجب أن يكون توضيح الإطار القانوني لهذه المهام الجديدة في صلب أجندة الحوار الاجتماعي القطاعي. وينبغي التركيز على المطالبة بتقنين هذه الأدوار المستجدة (مثل المنسق)، وضمان عدم المساس بالحقوق المكتسبة للموظفين، ورفض أي تكاليف تتم خارج أوقات العمل الرسمية دون أن يقابلها تعويض عادل ومنظم قانونياً.
- للأستاذ: من الضروري أن يعي الأستاذ التمييز الدقيق بين التزاماته النظامية الإلزامية والمشاركة في المشاريع ذات الطابع الاختياري. وقبل الانخراط في أي مشروع يوصف بـ "الطوعي"، ينبغي السعي للحصول على توضيحات مكتوبة قدر الإمكان حول طبيعة الالتزامات المترتبة عليه، وذلك لتجنب الوقوع في منطقة الغموض القانوني وحماية حقوقه المهنية.
إذا أعجبك الموضوع، اضغط إعجاب للصفحة
Tags
إضاءات قانونية