لم تعد عملية التنظيم التربوي مجرد إجراء إداري روتيني يسبق انطلاق الموسم الدراسي، بل تحولت لتصبح الآلية المحورية التي من خلالها تتجسد الإصلاحات الاستراتيجية للوزارة على مستوى المؤسسة التعليمية. إنها تمثل نقطة التقاء حاسمة بين السياسات المرسومة مركزياً والواقع الميداني، حيث تتحول التوجهات الكبرى إلى بنية تربوية فاعلة. يقدم هذا التقرير تحليلاً معمقاً لهذه العملية، من خلال منظور التحول المنهجي الذي يشهده النظام التعليمي المغربي، والذي يتجه بقوة نحو العقلنة الممنهجة، والحكامة القائمة على البيانات، والمساءلة المبنية على المرجعيات القانونية.
يرتكز هذا التحليل على تفكيك المذكرة الوزارية الجديدة الخاصة بإعداد الخريطة التربوية للموسم الدراسي 2025-2026، مع وضع توجيهاتها في سياقها القانوني التحولي الذي أرساه النظام الأساسي الموحد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية الصادر في فبراير 2024، بالإضافة إلى باقي النصوص التنظيمية المؤطرة. الهدف من هذا التقرير هو تزويد المدبرين التربويين بإطار عمل شامل وتحليلي وتطبيقي، يمكنهم من تدبير هذه العملية المعقدة بفعالية، بما يضمن الامتثال للنصوص، ويرشّد استعمال الموارد، ويصون الجودة البيداغوجية.
القسم الأول: الإطار المرجعي المؤسس: من الفلسفة الموجهة إلى السلطة القانونية
1.1. مفهوم "الحياة المدرسية" كبوصلة موجهة
إن أي تنظيم تربوي ناجع لا ينطلق من فراغ، بل يستند إلى فلسفة تربوية واضحة. في السياق المغربي، يشكل مفهوم "الحياة المدرسية" هذا الإطار الفلسفي. فالحياة المدرسية، كما تحددها الوثائق المرجعية، هي صورة مصغرة للحياة الاجتماعية تهدف إلى التنشئة الشاملة للمتعلم من خلال أنشطة تفاعلية متنوعة، وتجعل منه محور كل اهتمام وتفكير وفعل. إنها تسعى إلى خلق فضاء للمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وتجاوز التلقي السلبي نحو التعلم الذاتي والمشاركة في الاجتهاد الجماعي، مع الانفتاح على محيط المؤسسة.
من هذا المنطلق، لا يمكن فصل التنظيم التربوي عن غايات الحياة المدرسية. فالقرارات المتعلقة ببنية الأقسام، وحجمها، وتوزيع الأساتذة، واستغلال الفضاءات، ليست مجرد تدابير لوجستية، بل هي التي تشكل "الهندسة المعمارية" التي ستقوم عليها الحياة المدرسية. فقسم مكتظ أو أستاذ تم إسناد مستوى له لا يتناسب مع كفاياته، يقوض من الأساس مبادئ جودة التعلم ورفاه المتعلم التي تنادي بها فلسفة الحياة المدرسية.
لقد شهد هذا المفهوم تحولاً نوعياً مع المذكرات الأخيرة. لم يعد مجرد هدف فلسفي مجرد، بل أصبح مرتبطاً بشروط مادية قابلة للقياس والإلزام. فالتوجيهات الجديدة، وخصوصاً تلك التي تضع سقوفاً صارمة لأعداد التلاميذ بالأقسام، تحول فكرة "جودة الحياة المدرسية" إلى مجموعة من الشروط البنيوية التي لا يمكن التنازل عنها. فكأنما الوزارة تقول بوضوح إن حياة مدرسية ذات جودة تصبح مستحيلة التحقق فوق عتبة معينة من نسبة التلاميذ إلى الأساتذة. وهكذا، يصبح التنظيم التربوي ليس فقط أداة لتيسير حياة مدرسية جيدة، بل هو عملية لبناء أساسها الهيكلي الإلزامي. فالامتثال للأرقام والمعايير المحددة أصبح هو الخطوة الأولى والضرورية لتحقيق الفلسفة المنشودة.
1.2. النظام الأساسي الموحد (فبراير 2024): إعادة تعريف الأدوار والمسؤوليات
يُعد المرسوم رقم 2.24.140 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية، الصادر في فبراير 2024، منعطفاً قانونياً أعاد هيكلة المنظومة البشرية للقطاع، وكان له أثر مباشر على عملية التنظيم التربوي. لقد وحد هذا النص المسارات المهنية لجميع موظفي القطاع، بمن فيهم الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية سابقاً، مما أرسى إطاراً من الحقوق والواجبات الموحدة.الأهم من ذلك، بالنسبة لموضوعنا، هو التحديد الدقيق للمهام والأدوار. فقد نص المرسوم على إحداث هيئات جديدة، من بينها "هيئة الإدارة التربوية والتدبير"، والتي تضم إطار "متصرف تربوي". هذا الأخير، الذي يزاول مهام الإدارة التربوية، مكلف بالإشراف على التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة، ورئاسة مجالسها، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق مقرراتها، وضمان حسن سير الدراسة والنظام.
يمنح هذا المرسوم السند القانوني الواضح والصريح لمدير المؤسسة، بصفته متصرفاً تربوياً يمارس مهام القيادة، لقيادة عملية التنظيم التربوي. إنه يوضح سلطته في اتخاذ القرارات بناءً على النصوص الرسمية وحاجيات المؤسسة، وفي نفس الوقت، يرفع من درجة مساءلته، حيث أصبحت قراراته مؤطرة ضمن بنية قانونية أكثر تفصيلاً وتوحيداً.
يمكن القول إن النظام الأساسي الجديد قد كرس دور المدير ليس كقائد محلي مستقل، بل كالمنفذ الرئيسي للسياسة المركزية. لقد تم تعزيز مكانته القانونية، ولكن حريته العملياتية أصبحت في المقابل مقيدة بتوجيهات مركزية دقيقة ومفصلة. فالسلطة المعززة التي مُنحت له ليست من أجل استقلالية أكبر، بل من أجل التنفيذ الفعال والمطابق لهذه القواعد الملزمة. لقد أصبح المدير هو الحلقة الحيوية المسؤولة عن ترجمة "الخوارزمية" المركزية إلى بنية مدرسية فاعلة على أرض الواقع.
القسم الثاني: الخريطة التربوية: المخطط الاستراتيجي للموسم الدراسي
2.1. الدور الاستراتيجي للخريطة التربوية
تعتبر الخريطة التربوية المخطط الرئيسي الذي يترجم معطيات التلاميذ المسجلين إلى بنية ملموسة من الأقسام والمناصب التعليمية واستعمالات الحجرات. إنها الوثيقة التخطيطية الأهم للسنة الدراسية، والتي على أساسها يتم تحديد الفائض والخصاص، وتوزيع الموارد البشرية، وتنظيم الزمن المدرسي. وتشير المذكرات الجديدة بوضوح إلى أن هذه العملية أصبحت الآن تعتمد بشكل صارم على البيانات الرقمية.2.2. تحليل توجيهات 2025-2026 (المذكرة الوزارية الجديدة)
تأتي المذكرة الوزارية الصادرة في 17 يوليوز 2025 بشأن إعداد الخريطة التربوية للموسم 2025-2026، والمذكرة التقنية المرفقة بها، بمجموعة من التوجيهات الدقيقة التي تعيد تشكيل العملية برمتها.أسبقية الأنظمة الرقمية (مسار وكارتيسكو)
تنص المذكرة بشكل صريح على أن عملية إعداد الخريطة التربوية تنطلق بعد فتح موقعي "CARTESCO" و "CartePrescolaire" في الفترة الممتدة من 18 إلى 28 يوليوز 2025. وتشدد على ضرورة التأكد من أن النتائج النهائية لتوجيه التلاميذ قد تم مسكها في منظومة "مسار" ليتم تحميلها في منصة الخريطة المدرسية "CARTESCO". هذا التحول يعني أن الحاجيات الرسمية للمؤسسة لم تعد تلك التي يضمنها المدير في تقرير ورقي، بل هي ما تحتسبه خوارزمية "CARTESCO" بناءً على البيانات التي تستقيها من "مسار". لقد أصبح ناتج النظام الرقمي هو الواقع الملزم قانونياً، وأي خطأ أو نقص في البيانات المدخلة في "مسار" ستكون له عواقب مباشرة على بنية المؤسسة ومواردها.سقوف جديدة وصارمة لكثافة الأقسام
تفرض المذكرة التقنية سقوفاً قصوى جديدة لكثافة الأقسام، وهو أحد أبرز المستجدات وأكثرها تأثيراً. هذه السقوف محددة كالتالي:- 30 تلميذاً كحد أقصى بالنسبة لأقسام السنة الأولى من التعليم الابتدائي.
- 36 تلميذاً كحد أقصى بالنسبة لباقي مستويات التعليم الابتدائي، وجميع مستويات التعليم الإعدادي والثانوي التأهيلي.
- 40 تلميذاً كحد أقصى استثنائي جداً، مع ضرورة تبرير هذا الاستثناء.
يهدف هذا الإجراء إلى تحسين جودة التعلمات وضمان قدر من الإنصاف، ولكنه يضع ضغطاً هائلاً على البنية التحتية والموارد البشرية. هذا المعيار يملي بشكل مباشر عدد الأقسام التي يجب على المؤسسة إحداثها، والذي يحدد بدوره عدد الأساتذة المطلوبين.
دمج التعليم الأولي في صلب التخطيط
تعكس المذكرة الأهمية الاستراتيجية التي توليها الوزارة للتعليم الأولي، حيث أصبح نقطة الانطلاق في بناء الخريطة التربوية. فالتوجيهات الخاصة بالتعليم الأولي تنص على ضرورة العمل على مسك معطيات التعليم الأولي بجميع الجماعات، من خلال تثبيت عدد الأطفال في سن التمدرس المقترح أو تعبئته حسب المعطيات المتوفرة، ومسك بنية الأقسام حسب كل نوع تعليم (عمومي، خصوصي، شريك)، وتوزيع الأطفال على الوحدات المتوفرة. هذا الإجراء يرفع التعليم الأولي من مرتبة الخدمة الملحقة إلى مكون تأسيسي في بنية المؤسسة، ويتوجب على المديرين تخطيطه بنفس الدقة المعتمدة في باقي الأسلاك.الدعم الاجتماعي والبنية التحتية
تدمج المذكرة البعد الاجتماعي للتلميذ في صلب التخطيط الهيكلي، حيث تؤكد على ضرورة تحيين التنظيمات المدرسية وطاقات الاستيعاب، وربط ذلك بتدبير معقلن للموارد، مع مراعاة الطاقة الاستيعابية للمطاعم والداخليات المدرسية. هذا التوجه يضمن أن تكون الخريطة التربوية واقعية وتأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الشاملة للتلاميذ، بما في ذلك الإطعام والإيواء.لقد أدت هذه التوجهات إلى قلب عملية التخطيط رأساً على عقب. ففي السابق، كان المدير يقيم حاجيات مؤسسته ويرفعها للجهات المسؤولة طالباً الموارد. أما الآن، فالنظام المركزي هو الذي يحدد الموارد المتاحة (عدد الأقسام، عدد المناصب) بناءً على البيانات الخام، وأصبحت مهمة المدير هي تدبير المؤسسة ضمن هذا التخصيص المحدد سلفاً. لقد سبقت مخرجات الخوارزمية خطة المدير التنظيمية وأملتها عليه. وبالتالي، تحولت رافعة التأثير الرئيسية للمدير من التفاوض اللاحق حول الموارد إلى ضمان الدقة الاستباقية للبيانات في منظومة "مسار".
القسم الثالث: آليات الإسناد: تدبير الموارد البشرية والبنيات التربوية
بعد تحديد الخريطة التربوية وما تفرضه من عدد للأقسام والمناصب، تأتي المرحلة الحاسمة المتمثلة في إسناد هذه الأقسام للأساتذة وتدبير الحالات المعقدة.3.1. صلاحيات المدير والمسطرة التشاورية
لا يُعتبر التنظيم التربوي مجرد عملية توزيع إدارية للأقسام والمواد، بل هو فعل تدبيري بامتياز يعكس فلسفة المؤسسة التعليمية ورؤيتها لتحقيق أهدافها التربوية. إنه الآلية التي يتم من خلالها تكييف الموارد البشرية مع البنية التربوية للمؤسسة، بما يضمن السير العادي للدراسة ويحقق الإنصاف وتكافؤ الفرص بين المتعلمين، ويضع المصلحة الفضلى للتلميذ فوق كل اعتبار.تنص النصوص التنظيمية، سواء المذكرات الوزارية أو المذكرات الإقليمية التوضيحية، على أن مدير المؤسسة هو المسؤول عن إعداد مشروع التنظيم التربوي وتوزيع الفصول الدراسية على الأساتذة وإسنادها إليهم. إلا أن هذه الصلاحية ليست مطلقة، بل تمارس في إطار تشاوري. فالمشروع يُعرض في اجتماع للأساتذة يوم توقيع محضر الدخول قصد التداول، في جو يفترض أن تسوده المصلحة العليا للتلميذ والمؤسسة على المصالح الخاصة. هنا يبرز دور المدير كقائد تربوي قادر على خلق التوافق وتدبير النقاش.في المقابل، عند بروز خلافات أو في عمليات إدارية أخرى كتحديد الفائض، يتم اللجوء إلى معايير موضوعية ومقننة، على رأسها الأقدمية بنقاطها المختلفة (الأقدمية العامة، بالمديرية، بالمؤسسة). هذا يخلق توازناً دقيقاً يجب على المدير تدبيره بحكمة. فالروح الرسمية لعملية الإسناد هي روح بيداغوجية تستند إلى الكفاءة، لكن حرفية القانون في العمليات المترتبة عنها هي حرفية إدارية تستند إلى الأقدمية. المدير الناجح هو من يستطيع الموازنة بين الأمرين، عبر بناء التوافق، وتبرير قراراته البيداغوجية بشكل واضح وموثق، عملاً بمبدأ "تحصين القرارات الإدارية".
يمكن فهم هذا الوضع على أنه إقرار ضمني بوجود آلية رسمية لفض النزاعات. فالكفاءة هي الهدف الأسمى، ولكن الأقدمية تصبح هي المعيار المرجعي الحاسم، والقابل للدفاع عنه قانونياً، عندما يفشل التوافق، خاصة في الحالات ذات الرهانات العالية مثل تحديد الفائض. فالهدف الأول هو التوصل إلى إسناد سليم بيداغوجياً قائم على الكفاءة والتراضي. إذا فشل ذلك، يجب أن يكون قرار المدير قابلاً للدفاع عنه. وإذا تصاعد النزاع ليصل إلى تحديد الفائض، فإن النظام يعود إلى المعايير الموضوعية، وغير الشخصية، والصلبة قانونياً المتمثلة في الأقدمية، مما يوفر ملاذاً إجرائياً يمنع شلل الإدارة.
3.2. معايير الإسناد: الإطار المرجعي والمبادئ الموجهة
أولاً: تخضع عملية إسناد الأقسام لمجموعة من المرجعيات والمبادئ التي تضمن الشفافية والموضوعية.
- التشاور والتشارك: تكرس المذكرات التنظيمية، ومنها المذكرة المرفقة، نهج المقاربة التشاركية من خلال إشراك مجلس الأساتذة في تدارس مشروع التنظيم التربوي. هذه الاستشارة تهدف إلى خلق جو من الثقة والحوار البناء، مع التأكيد على أن القرار النهائي يظل من صلاحيات الإدارة التربوية.
- تغليب مصلحة التلميذ: المبدأ الأساسي الذي يحكم عملية إسناد الأقسام هو "إحلال كل أستاذ بالقسم الذي يوافق شخصيته المعرفية والمهنية، ويناسب مؤهلاته التقنية والأدبية". الهدف هو ضمان أفضل تأطير ممكن للتلاميذ، وهو ما يقتضي وضع الأستاذ المناسب في المكان المناسب.
- تعليل القرارات الإدارية: انسجاماً مع مبادئ الحكامة الجيدة، فإن أي قرار يتخذه مدير المؤسسة، خاصة في الجانب المتعلق بإسناد الأقسام، يجب أن يكون معللاً ومبنياً على أسس موضوعية وقرائن مادية، تماشياً مع روح المذكرة الوزارية رقم 92/2006 في موضوع تحصين القرارات الإدارية. هذا التعليل يقي الإدارة من الشطط ويضمن حقوق الأطر التربوية.
- تكمن حساسية عملية إسناد الأقسام في المعايير المعتمدة. تؤكد التوجيهات التربوية، وخصوصا العديد من المذكرات الإقليمية ولنأخذ مثلا المذكرة 001/2006 والتي هي مذكرة مديرية آسفي والصادرة سابقاً والتي لا تزال روحها سارية، حيث تؤكد على ضرورة "إيثار المقدرة والكفاءة على الاختيارات الشخصية والنزعات الفردية". يجب أن يستند القرار إلى مدى ملاءمة الأستاذ للقسم الذي يوافق شخصيته المعرفية والمهنية، وبما يخدم مصلحة التلاميذ. وتذكر هذه المذكرة بأن خبرة الأستاذ تكون بمهاراته لا بأقدميته.
ثانياً: معايير إسناد الأقسام: بين الأقدمية والكفاءة
تعتبر نقطة المفاضلة بين الأقدمية والكفاءة من أكثر القضايا حساسية في هذا السياق. التوجه الرسمي - كما تؤكده المذكرة الوزارية رقم 38 (1981) وكذلك العديد من المذكرات الإقليمية والتي منها المذكرة السابقة لمديرية آسفي- هو توجه واضح في هذا الشأن:الأولوية للكفاءة والمردودية: رغم أن الأقدمية والسلم الإداري حقوق مكتسبة للأستاذ، إلا أن المصلحة التربوية تفرض "إيثار المقدرة والكفاءة على الاختيارات الشخصية والنزعات الفردية".
- المعايير المعتمدة: يتم الاعتماد على مجموعة من المؤشرات الموضوعية لتقييم كفاءة الأستاذ ومدى ملاءمته لمستوى معين، ومنها:
- المردودية: وتُقاس من خلال نتائج التلاميذ وتقارير المفتش التربوي.
- المواظبة والانضباط: كونهما شرطين أساسيين للقيام بالعمل التربوي على أحسن وجه.
- الخبرة والتجربة: ليس بالسنوات فقط، بل "بمهاراته" وقدرته على تدبير قسم معين ومعالجة صعوباته.
- التخصص والتكوين: خاصة في المواد التي تتطلب تكويناً خاصاً.
يتم تقديم طلبات خطية من طرف الأساتذة، وتتم دراستها في ضوء هذه المعايير، مع احتفاظ مدير المؤسسة بسلطة التقدير لاتخاذ القرار النهائي الذي يخدم مصلحة المؤسسة.
ثالثاً: مسطرة الإعداد والتنفيذ
تتبع عملية إعداد التنظيم التربوي مسطرة دقيقة:
- إعداد المشروع: يتولى مدير المؤسسة، بتنسيق تام مع المفتش التربوي للمقاطعة، إعداد مشروع للتنظيم التربوي.
- العرض على مجلس الأساتذة: يُعرض المشروع في اجتماع بداية الموسم الدراسي للتداول وإبداء الرأي.
- اتخاذ القرار: بعد المداولة، يتخذ المدير القرار النهائي في ضوء ما راج في الاجتماع، مع تعليل اختياراته.
- التوثيق: يجب أن يُترك أثر كتابي لهذه العملية في شكل محضر اجتماع، يُدون فيه المقرر كل الأفكار والقرارات والتوصيات المتفق عليها، ويُرفع نظير منه إلى المصالح المديرية الإقليمية (مصلحة الشؤون التربوية).
رابعاً: تدبير حركية الأساتذة والفائض
توضح المذكرة الإقليمية آليات تدبير الحالات المرتبطة بحركية الأساتذة داخل المجموعات المدرسية وتدبير الفائض:- الحركية الداخلية: الحركة داخل الوحدات المدرسية التابعة لنفس المجموعة المدرسية لا تعتبر انتقالاً بالمعنى الإداري. تُعطى الأسبقية في تلبية طلبات الحركة الداخلية للأساتذة الذين لم يسبق لهم الاستفادة، مع مراعاة الحالات الاجتماعية (تقارب الأزواج).
- تحديد الفائض: يتم تحديد الفائض على صعيد المؤسسة ككل بناء على المعايير المحددة في المذكرة الوزارية الخاصة بتدبير الفائض 056/2015. أما على صعيد الوحدة المدرسية، فيتم اعتماد مبدأ "آخر من التحق" لتحديد الأستاذ الفائض.
- مهام الفائض: الأستاذ الذي يتقرر أنه فائض لا يبقى دون مهمة؛ بل تسلم له الإدارة استعمال الزمن الخاص به، ويتم تكليفه بمهام محددة، على رأسها تعويض الأساتذة المتغيبين.
- الالتحاق المتأخر: في حالة التحاق أستاذ جديد لسد خصاص بعد إعداد التنظيم التربوي النهائي، فإنه يُسند له المستوى الشاغر، على أن تُلبى رغبته في الموسم الدراسي الموالي إن أمكن.
خامساً: قضايا تنظيمية أخرى
يتطرق التنظيم التربوي كذلك لجوانب مادية تضمن السير الحسن للدراسة، منها:- إسناد الحجرات الدراسية: يراعى في توزيع القاعات المستويات العمرية للتلاميذ، حيث من غير المنطقي أن تخصص الطوابق العلوية لتلاميذ المستويات الأولى (6-7 سنوات).
- استعمالات الزمن: يتم إعدادها بالتناوب وباحترام مبدأ الإزاحة لضمان مصلحة التلاميذ، مع فتح باب التراضي بين الأساتذة ومراعاة الحالات الاجتماعية، خاصة في الوسط القروي.
3.3. المسطرة الموحدة لتدبير الفائض والخصاص
أصبح تدبير الفائض والخصاص نتيجة رياضية مباشرة للخريطة التربوية الجديدة. إذا خصص نظام "CARTESCO" عشرة مناصب لمؤسسة بها أحد عشر مدرساً، فإن مدرساً واحداً يصبح فائضاً بشكل تلقائي. دور المدير هنا ليس تحديد ما إذا كان هناك فائض، بل تطبيق المعايير الرسمية لتحديد من هو الفائض. هذه المعايير، كما تحددها المذكرات الإطارية، تعتمد على حساب نقط دقيق يرتكز على الأقدمية العامة، والأقدمية بالمديرية الإقليمية، والأقدمية بالمؤسسة. هذه المسطرة تزيل الذاتية وتجعل العملية أكثر شفافية، ولكنها في نفس الوقت أكثر صرامة.
3.4. تدبير البنيات المركبة والبرامج الخاصة
الأقسام المشتركة
أولت المذكرة التقنية الجديدة اهتماماً خاصاً للأقسام المشتركة، التي تشكل واقعاً في العديد من المجموعات المدرسية بالعالم القروي. فقد حددت سقفاً لعدد التلاميذ في هذه الأقسام لا يتجاوز 30 تلميذاً. والأهم من ذلك، أنها أدخلت نظاماً جديداً لحساب "تكلفة" هذه الأقسام من حيث المناصب التعليمية، عبر اعتماد معاملات (coefficients) دقيقة. فمثلاً، قسم بمستويين يعادل 1.5 منصب، وقسم بثلاثة أو أربعة مستويات يعادل منصبين.هذا الإجراء يعتبر ابتكاراً هاماً يهدف إلى عقلنة توزيع الموارد. إنه يوفر أساساً كمياً واضحاً لتوظيف الأساتذة في هذه الوضعيات التعليمية المعقدة، ويضمن عدم حرمان المدارس ذات الأقسام المشتركة المتعددة من حصتها العادلة من الأساتذة. ويجب على المديرين إتقان هذه الحسابات الجديدة لتخطيط بنياتهم بدقة. الجدول التالي، المستقى من المذكرة، يوضح هذه المعاملات، مع الإشارة إلى أن النص المرافق للجدول في المذكرة يشير إلى حسابات كسرية للمناصب (مثل 1.5 أو 2.5)، مما يوحي بأن هذه المعاملات تستخدم داخل الخوارزمية المركزية لتحديد العدد الإجمالي للمناصب المخصصة للمؤسسة.
جدول حساب المناصب بالأقسام المشتركة وفق المذكرة الوزارية الجديدة
برامج تدريس اللغات
تضيف برامج اللغات طبقة أخرى من التعقيد على الخريطة التربوية. فالمذكرة التقنية تشدد على ضرورة الحرص على توزيع التلاميذ في القطاع العام لتحقيق التوازن بين مسلكي اللغة الأمازيغية بالتعليم الابتدائي، حسب ما ورد في المذكرة 23/028. كما تؤكد على ضرورة تعميم تدريس اللغة الإنجليزية بالتعليم الإعدادي حسب ما ورد في المذكرة 23/030. هذه الأخيرة تضع خطة تدريجية تصل إلى تعميم اللغة الإنجليزية بنسبة 100% في جميع مستويات السلك الإعدادي بحلول الموسم الدراسي 2025-2026. يتوجب على المديرين بناء هياكلهم التربوية بشكل يستوعب هذه البرامج اللغوية الخاصة، الأمر الذي قد يتطلب أساتذة متخصصين وجداول زمنية محددة، مما يزيد من القيود على عملية الإسناد.القسم الرابع: خلاصة تركيبية، رؤى استراتيجية، وتوصيات للتنزيل
4.1. تحليل التحديات والتوترات الرئيسية
يفرز الإطار التنظيمي الجديد مجموعة من التحديات والتوترات التي يجب على المدبر التربوي أن يكون واعياً بها:- البيانات مقابل الواقع: يكمن التحدي الأكبر في الفجوة المحتملة بين البيانات "النظيفة" في النظام المركزي والواقع "المعقد" للمؤسسة التعليمية. قد لا تأخذ صرامة النظام بعين الاعتبار الحاجيات البيداغوجية الفريدة أو الظروف المحلية غير المتوقعة
- الكفاءة مقابل البيروقراطية: التوتر المستمر بين المثال البيداغوجي المتمثل في إسناد الأقسام بناءً على الكفاءة، والواقع البيروقراطي الذي يفرض الأقدمية كآلية افتراضية لحل النزاعات وتدبير الفائض.
- تراكم الإصلاحات: يجد المديرون أنفسهم مكلفين بتنزيل إصلاحات متعددة ومتزامنة وواسعة النطاق (النظام الأساسي الجديد، تقليص كثافة الأقسام، تعميم الإنجليزية) في ظل موارد ووقت محدودين.
4.2. توصيات عملية للمدبرين التربويين
في مواجهة هذه التحديات، يمكن تقديم التوصيات العملية التالية:إتقان البيانات: إن الإجراء الأكثر أهمية وحسماً هو ضمان الدقة المطلقة والشمولية لجميع بيانات التلاميذ والبنية التحتية في منظومة "مسار" قبل انطلاق عملية "كارتيسكو". هذه هي نقطة التأثير القصوى الجديدة.
التوثيق الممنهج: يجب تبرير جميع قرارات إسناد الأقسام بمنطق بيداغوجي واضح ومكتوب، مع الإشارة إلى حاجيات التلاميذ وكفاءات الأساتذة. هذا الإجراء "يحصن" القرار ضد الطعون وينسجم مع روح النصوص التنظيمية.
التشاور الاستراتيجي: يجب استخدام اجتماع الأساتذة ليس كآلية للمصادقة الشكلية، بل كمنتدى استراتيجي لبناء التوافق حول القيود التي يفرضها النظام. يجب تأطير النقاش حول سؤال: "كيف يمكننا العمل بأفضل شكل ممكن ضمن الخريطة التي مُنحت لنا؟".
المرافعة بالبيانات: يجب استخدام مخرجات النظام (على سبيل المثال، وجود عدد كبير من الأقسام التي وصلت إلى الحد الأقصى الاستثنائي البالغ 40 تلميذاً) كدليل مادي للمرافعة لدى المديرية الإقليمية من أجل الحصول على موارد إضافية، كفتح حجرات جديدة أو توفير مناصب إضافية.
ختاما
يمثل الإطار التنظيمي الجديد تتويجاً لتوجه طويل الأمد نحو نظام تعليمي أكثر عقلانية وإنصافاً وحكامة مركزية في المغرب. إنه يسعى إلى استبدال التباينات المحلية والقرارات الذاتية بقواعد موحدة ومبنية على البيانات، لضمان حد أدنى من الجودة لكل تلميذ وتلميذة.إن النجاح النهائي لهذا النظام، الذي يبدو عالي التنظيم والمركزية، يعتمد في نهاية المطاف على قدرة مدير المؤسسة على بث الذكاء البيداغوجي والقيادة الإنسانية فيه. فالإطار التنظيمي يوفر "الماذا" (البنية، الأرقام، القواعد)، ولكن المدير هو من يجب أن يوفر "الكيف" (المطابقة المثلى بين الأستاذ والتلاميذ، المناخ المدرسي الإيجابي، الاستخدام الفعال للموارد). لقد أصبح دور المدير هجيناً: فهو مدبر مطالب بالامتثال، ينفذ توجيهات النظام بدقة لا تشوبها شائبة، ولكنه في نفس الوقت قائد بيداغوجي يتخذ أذكى الخيارات الممكنة ضمن تلك القيود لتحقيق أفضل النتائج التعليمية. إنه الواجهة الإنسانية للخوارزمية المركزية، والمسؤول عن ضمان أن هذه الخوارزمية تخدم جودة التربية، بدلاً من أن تخنقها.إذا أعجبك الموضوع، اضغط إعجاب للصفحة
Tags
إضاءات قانونية
