مقدمة: تفكيك مقولة شائعة
تطرح الاستفسارات العامة والنقاشات المجتمعية في المغرب بشكل متكرر مقولة مفادها أن "لا يحق للوزارة التدخل في ثمن رسوم التعليم الخاص أو تقنين أسعاره". هذه العبارة، على الرغم من انتشارها، تقدم صورة مبسطة عن واقع قانوني وتنظيمي معقد ومتشابك.
يسعى هذا المقال إلى تقديم تحليل قانوني معمق لهذه المقولة. سيتم إثبات أنه على الرغم من صحة هذه العبارة في تفسيرها الضيق والمباشر — أي أن وزارة التربية الوطنية لا تملك تفويضاً قانونياً شاملاً ومباشراً لتحديد أو تسقيف رسوم جميع مؤسسات التعليم الخاص — فإنها تظل مقولة منقوصة ومضللة من الناحية القانونية. فالدولة المغربية، من خلال مزيج من الحوافز القطاعية، وقانون المنافسة العام، والتوجيهات التنظيمية، والرقابة القضائية، تمتلك في الواقع أدوات متعددة للتأثير والضبط غير المباشر، مما يحد من الحرية المطلقة للمؤسسات التعليمية الخاصة في تحديد أسعارها.
سيتناول هذا التحليل الإطار القانوني العام للأسعار والمنافسة، ثم ينتقل إلى التشريعات الخاصة بقطاع التعليم، مروراً بالدور المحوري الذي يلعبه مجلس المنافسة، وصولاً إلى الضمانات النهائية التي يوفرها القضاء، وذلك لتقديم صورة كاملة ودقيقة عن حدود سلطة الدولة وحرية السوق في هذا القطاع الحيوي.
الفصل الأول: المبدأ العام – حرية الأسعار والمنافسة في القانون المغربي
يخضع المنطق الاقتصادي لتحديد الأسعار في المغرب لمبدأ أساسي وهو حرية المنافسة. هذا المبدأ مؤطر بشكل أساسي بموجب القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الذي نسخ وعوض القانون السابق رقم 06.99.4.المبدأ الأساسي للمنافسة الحرة
تعتبر المادة 2 من القانون 104.12 حجر الزاوية في هذا الإطار، حيث تنص صراحة على أن "تحدد أسعار السلع والمنتوجات والخدمات عن طريق المنافسة الحرة". هذا المبدأ يطبق على كافة القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك قطاع الخدمات مثل التعليم، ما لم يرد نص قانوني صريح يستثني قطاعاً معيناً.
الاستثناءات القانونية لتدخل الدولة
ومع ذلك، فإن القانون نفسه يحدد بدقة الحالات الاستثنائية والمحدودة التي يمكن للدولة من خلالها التدخل لتنظيم الأسعار:- التدخل الهيكلي (المادة 3): يمكن للحكومة أن تنظم الأسعار في قطاعات أو مناطق جغرافية تكون فيها المنافسة محدودة بطبيعتها، إما بسبب حالات احتكار قانوني أو فعلي، أو بفعل صعوبات دائمة في التموين. ويتطلب هذا الإجراء استشارة مجلس المنافسة مسبقاً.
- التدخل في الأزمات (المادة 4): يمكن للحكومة اتخاذ "تدابير مؤقتة" لمدة أقصاها ستة أشهر (قابلة للتمديد مرة واحدة) لمواجهة "ارتفاع أو انخفاض فاحش في الأسعار" تعلله "ظروف استثنائية أو كارثة عامة أو وضعية غير عادية بشكل واضح في السوق بقطاع معين".
- إن عدم إدراج قطاع التعليم كاستثناء صريح في القانون 104.12 يضع عبء إثبات كبير على الحكومة إذا ما أرادت التدخل. فلتفعيل المادة 3، سيتعين على الإدارة أن تثبت لمجلس المنافسة أن سوق التعليم الخاص يعاني من غياب هيكلي للمنافسة (كوجود احتكار مثلاً)، وهو أمر يتعارض مع رأي المجلس نفسه الصادر سنة 2021 الذي وصف السوق بأنه تنافسي، وإن كان يعاني من بعض الاختلالات. هذا يجعل التدخل الهيكلي الشامل في أسعار التعليم أمراً مستبعداً من الناحية القانونية والعملية.
من جهة أخرى، فإن صياغة المادة 4 تشير بوضوح إلى أنها "مكابح طوارئ" مصممة للتعامل مع الصدمات الحادة التي يتعرض لها النظام الاقتصادي، مثل جائحة أو كارثة طبيعية، وليست أداة لمعالجة القضايا المزمنة مثل الارتفاع التدريجي والمستمر للرسوم المدرسية الذي يشكل جوهر الشكوى العامة. هذا الواقع القانوني يجبر صانعي السياسات على البحث عن حلول خارج الإطار العام لقانون الأسعار، والتوجه نحو التشريعات القطاعية الخاصة.
الفصل الثاني: الإطار القطاعي الخاص – دراسة القانون 06.00 ومراسيمه التطبيقية
عند الانتقال من القانون العام إلى التشريع الخاص بالتعليم، نجد أن الإطار القانوني يكشف عن مقاربة تنظيمية دقيقة تعتمد على التأثير غير المباشر بدلاً من التحكم المباشر.صمت القانون الإطاري
إن التحليل الدقيق للقانون رقم 06.00 بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي يكشف أنه يمنح الدولة سلطة واسعة على جوانب متعددة من القطاع، مثل منح التراخيص، وضمان الالتزام بالمناهج التربوية الوطنية، وفرض معايير الصحة والسلامة، وتحديد شروط الكفاءة للمديرين والمدرسين.13 لكن اللافت للنظر هو صمت القانون التام فيما يتعلق بمسألة الرسوم الدراسية.
لا توجد أي مادة في هذا القانون تمنح وزارة التربية الوطنية سلطة تحديد الرسوم أو تسقيفها أو حتى المصادقة عليها.
التفصيل القانوني الحاسم لا يكمن في القانون الإطاري نفسه، بل في مرسومه التطبيقي، وهو المرسوم رقم 2.00.1015.14 تحدد
المادة 12 من هذا المرسوم الشروط التي يجب على مؤسسة التعليم الخصوصي استيفاؤها للاستفادة من "الامتيازات" التي تضعها الدولة (ممثلة في الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين) رهن إشارتها، مثل توفير محلات ملائمة أو أطر تربوية على نفقة الدولة. أحد هذه الشروط الأساسية هو التزام المؤسسة بـ: "تطبيق رسوم التمدرس المحددة في الاتفاقية المعدة من طرف الأكاديمية المعنية".
تكشف هذه البنية التشريعية عن خيار سياسي متعمد تم اتخاذه في عام 2000. فمن خلال إغفال ضوابط الأسعار في القانون الرئيسي (06.00) وإدراج آلية مشروطة تعتمد على الاتفاق في المرسوم التطبيقي (2.00.1015)، اختار المشرع نموذجاً تنظيمياً قائماً على السوق والمعاملات. سلطة الدولة هنا ليست سلطة أمر شاملة ("يجب أن تفرضوا المبلغ كذا")، بل هي سلطة تفاوض محفزة ("إذا أردتم دعمنا، يجب أن توافقوا على فرض المبلغ كذا").
هذا التحليل يبطل الفكرة المبسطة القائلة بأن الوزارة لا تملك "أي سلطة". بل هي تملك أداة تأثير قوية، وإن كانت مشروطة وغير شاملة.
يمثل الرأي رقم أ/1/21 الذي أصدره مجلس المنافسة في يوليوز 2021، بناءً على طلب من رئيس مجلس النواب، وثيقة محورية لفهم التوجه الرسمي للدولة في هذا الملف. يُعد هذا الرأي التحليل الرسمي الأكثر شمولاً للمشهد التنافسي في قطاع التعليم الخاص.
وثّق المجلس المطالب المتضاربة للأطراف المعنية: من جهة، طالبت جمعيات الآباء بوضع ضوابط للأسعار، مقترحةً نظام شرائح سعرية (دنيا وقصوى) على غرار ما هو معمول به في القطاع الفندقي. ومن جهة أخرى، دافع أصحاب المدارس عن حرية الأسعار باعتبارها ضرورية للاستثمار والابتكار والتمييز في جودة الخدمات.
كان استنتاج المجلس حاسماً برفض فكرة التنظيم المباشر للأسعار. فقد أكد أن "حرية المنافسة لا تتعارض وممارسة أسعار مرتفعة"، والتي قد تكون نتيجة طبيعية لتفاعلات السوق والمنافسة القائمة على الجودة.
بدلاً من التحكم في الأسعار، وجه المجلس توصياته نحو أدوات تنظيمية أخرى:
وعندما يصرح وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، بشكل متكرر بأن الرسوم تخضع لمنطق العرض والطلب وأن يدي الوزارة مقيدة، فهو لا يستشهد فقط بالفراغ القانوني في القانون 06.00، بل يؤسس موقفه بشكل استراتيجي وصريح على الرأي الرسمي الصادر عن المنظم الاقتصادي الرئيسي للدولة. هذا يمنح موقفه مبرراً قانونياً واقتصادياً قوياً، ويحول النقد السياسي بعيداً بإظهار أن هذا الموقف يستند إلى مشورة الخبراء المستقلين.
لا يكتمل التحليل دون النظر في القوانين الأخرى ذات الصلة ودور القضاء كضابط نهائي.
إن هذه الأحكام القضائية تكشف عن وجود آلية ضبط وتوازن حيوية في النظام القانوني المغربي. ففي حين تمتنع السلطتان التشريعية والتنفيذية عن التحكم المباشر في الأسعار، تتدخل السلطة القضائية لمنع أسوأ عواقب القوة السوقية غير المقيدة. من خلال الحكم بأن الحق الدستوري في التعليم يسمو على الحق التعاقدي للمدرسة في استيفاء ديونها في النزاعات المتعلقة بشهادة المغادرة، يرسم القضاء فعلياً الحدود الخارجية للسلوك المقبول في السوق، ويثبت أن الحرية الاقتصادية للمدرسة ليست مطلقة وتخضع للمصلحة العامة العليا.
بالعودة إلى المقولة الأولية، يمكن الآن تقديم إجابة دقيقة. إن عبارة "لا يحق للوزارة التدخل في ثمن رسوم التعليم الخاص أو تقنين أسعاره" هي صحيحة إلى حد كبير في معناها المباشر، لكنها منقوصة قانونياً ومضللة للغاية دون إضافة فروق دقيقة وجوهرية.
تفتقر الوزارة بالفعل إلى سلطة مباشرة وشاملة للتحكم في أسعار جميع المدارس الخاصة. ومع ذلك، فإن هذا "الفراغ" الظاهري تملؤه شبكة متطورة من السلطات والقيود الأخرى:
الحكم النهائي هو أن دور الوزارة ليس دور مُسعِّر، بل هو دور منظم للسوق، وشريك، وحارس للمهمة الخدماتية العمومية للتعليم، وهي تعمل ضمن إطار يعطي الأولوية للحرية الاقتصادية ولكنه يخضعها لضوابط وتوازنات دستورية وقضائية.
دقة المرسوم التطبيقي: آلية "المقايضة"
التفصيل القانوني الحاسم لا يكمن في القانون الإطاري نفسه، بل في مرسومه التطبيقي، وهو المرسوم رقم 2.00.1015.14 تحدد
المادة 12 من هذا المرسوم الشروط التي يجب على مؤسسة التعليم الخصوصي استيفاؤها للاستفادة من "الامتيازات" التي تضعها الدولة (ممثلة في الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين) رهن إشارتها، مثل توفير محلات ملائمة أو أطر تربوية على نفقة الدولة. أحد هذه الشروط الأساسية هو التزام المؤسسة بـ: "تطبيق رسوم التمدرس المحددة في الاتفاقية المعدة من طرف الأكاديمية المعنية".
تكشف هذه البنية التشريعية عن خيار سياسي متعمد تم اتخاذه في عام 2000. فمن خلال إغفال ضوابط الأسعار في القانون الرئيسي (06.00) وإدراج آلية مشروطة تعتمد على الاتفاق في المرسوم التطبيقي (2.00.1015)، اختار المشرع نموذجاً تنظيمياً قائماً على السوق والمعاملات. سلطة الدولة هنا ليست سلطة أمر شاملة ("يجب أن تفرضوا المبلغ كذا")، بل هي سلطة تفاوض محفزة ("إذا أردتم دعمنا، يجب أن توافقوا على فرض المبلغ كذا").
النتيجة المباشرة لهذه الآلية هي خلق فئتين متمايزتين من المدارس الخاصة في المغرب:
- المؤسسات المستقلة: وهي المدارس التي لا تطلب أو لا تحصل على امتيازات من الدولة. هذه المؤسسات تعمل في إطار الحرية الكاملة للأسعار التي يضمنها القانون 104.12، وليس للوزارة أي أساس قانوني للتدخل في رسومها.
- المؤسسات "الشريكة" للدولة: وهي المدارس التي تدخل طواعية في اتفاقية مع الأكاديمية الجهوية للحصول على الدعم. هذه المؤسسات تتنازل عن جزء من استقلاليتها في التسعير كجزء من صفقة تعاقدية.
هذا التحليل يبطل الفكرة المبسطة القائلة بأن الوزارة لا تملك "أي سلطة". بل هي تملك أداة تأثير قوية، وإن كانت مشروطة وغير شاملة.
الفصل الثالث: وجهة نظر المنظم – رأي مجلس المنافسة لعام 2021
يمثل الرأي رقم أ/1/21 الذي أصدره مجلس المنافسة في يوليوز 2021، بناءً على طلب من رئيس مجلس النواب، وثيقة محورية لفهم التوجه الرسمي للدولة في هذا الملف. يُعد هذا الرأي التحليل الرسمي الأكثر شمولاً للمشهد التنافسي في قطاع التعليم الخاص.
تشخيص السوق
شخص المجلس السوق بأنه يتسم بالمنافسة، ولكنه يعاني أيضاً من اختلالات كبيرة، أبرزها عدم تماثل المعلومات (حيث يجد الآباء صعوبة في تقييم جودة الخدمة التعليمية بشكل موضوعي) والطبيعة الحساسة للخدمة كونها حقاً دستورياً.الحكم النهائي بشأن ضوابط الأسعار
وثّق المجلس المطالب المتضاربة للأطراف المعنية: من جهة، طالبت جمعيات الآباء بوضع ضوابط للأسعار، مقترحةً نظام شرائح سعرية (دنيا وقصوى) على غرار ما هو معمول به في القطاع الفندقي. ومن جهة أخرى، دافع أصحاب المدارس عن حرية الأسعار باعتبارها ضرورية للاستثمار والابتكار والتمييز في جودة الخدمات.
كان استنتاج المجلس حاسماً برفض فكرة التنظيم المباشر للأسعار. فقد أكد أن "حرية المنافسة لا تتعارض وممارسة أسعار مرتفعة"، والتي قد تكون نتيجة طبيعية لتفاعلات السوق والمنافسة القائمة على الجودة.
التحول الموصى به في السياسات
بدلاً من التحكم في الأسعار، وجه المجلس توصياته نحو أدوات تنظيمية أخرى:
- تعزيز الشفافية: إلزام المدارس بالإفصاح المسبق والواضح عن جميع الرسوم والخدمات.
- إرساء معايير للجودة: وضع "إطار مرجعي للجودة" على المستوى الوطني يسمح بتقييم أداء المدارس بشكل موضوعي، وربط السعر بمستوى خدمة قابل للقياس.
- إطار تعاقدي جديد: تطوير عقد نموذجي ينظم العلاقة بين الأسر والمؤسسات ويوضح حقوق والتزامات كل طرف.
- الدعم الموجه: اقتراح آليات لدعم الأسر ذات الدخل المحدود، مثل نظام القسائم التعليمية أو المنح المباشرة، لمعالجة مشكلة القدرة على تحمل التكاليف دون تشويه السوق بأسره من خلال تسقيف الأسعار.
وعندما يصرح وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، بشكل متكرر بأن الرسوم تخضع لمنطق العرض والطلب وأن يدي الوزارة مقيدة، فهو لا يستشهد فقط بالفراغ القانوني في القانون 06.00، بل يؤسس موقفه بشكل استراتيجي وصريح على الرأي الرسمي الصادر عن المنظم الاقتصادي الرئيسي للدولة. هذا يمنح موقفه مبرراً قانونياً واقتصادياً قوياً، ويحول النقد السياسي بعيداً بإظهار أن هذا الموقف يستند إلى مشورة الخبراء المستقلين.
الفصل الرابع: المنظومة القانونية الأوسع والضمانات القضائية
لا يكتمل التحليل دون النظر في القوانين الأخرى ذات الصلة ودور القضاء كضابط نهائي.
دور قانون حماية المستهلك
يهدف القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك بشكل أساسي إلى ضمان حق المستهلك في الحصول على معلومات واضحة، وحمايته من الشروط التعسفية في العقود، وضمان سلامة المنتجات والخدمات. لا يحتوي هذا القانون على أي أحكام تسمح بتحديد الأسعار أو تسقيفها. يكمن تأثيره على قطاع التعليم في تعزيز الشفافية، كإلزام المؤسسات بتضمين تفاصيل جميع التكاليف بشكل واضح في العقد المبرم مع الأسر.الملاذ الأخير: الاجتهاد القضائي
يلعب القضاء المغربي دوراً حاسماً غالباً ما يتم إغفاله في النقاش العام، حيث يعمل على موازنة حقوق المؤسسات التعليمية وحقوق التلاميذ.- قضايا "شهادة المغادرة": صدرت العديد من الأحكام القضائية، خاصة عن قضاء الأمور المستعجلة، التي ألزمت مدارس خاصة بتسليم "شهادة المغادرة" للتلاميذ، حتى في الحالات التي كانت فيها على الأسر ديون متعلقة بالرسوم الدراسية.
- المبدأ الأساسي: تؤسس هذه الأحكام لتراتبية واضحة في الحقوق. فالحق التعاقدي للمدرسة في استخلاص مستحقاتها هو حق تجاري خاص، بينما حق الطفل في التعليم هو حق أساسي عام يكفله الدستور. وعندما يتعارض الحقان بشكل مباشر، أعطى القضاء الأولوية باستمرار للحق الدستوري.
إن هذه الأحكام القضائية تكشف عن وجود آلية ضبط وتوازن حيوية في النظام القانوني المغربي. ففي حين تمتنع السلطتان التشريعية والتنفيذية عن التحكم المباشر في الأسعار، تتدخل السلطة القضائية لمنع أسوأ عواقب القوة السوقية غير المقيدة. من خلال الحكم بأن الحق الدستوري في التعليم يسمو على الحق التعاقدي للمدرسة في استيفاء ديونها في النزاعات المتعلقة بشهادة المغادرة، يرسم القضاء فعلياً الحدود الخارجية للسلوك المقبول في السوق، ويثبت أن الحرية الاقتصادية للمدرسة ليست مطلقة وتخضع للمصلحة العامة العليا.
جدول 1: ملخص الأدوات القانونية وتأثيرها على رسوم التعليم الخاص في المغرب
خاتمة: حكم دقيق حول سلطة الوزارة
بالعودة إلى المقولة الأولية، يمكن الآن تقديم إجابة دقيقة. إن عبارة "لا يحق للوزارة التدخل في ثمن رسوم التعليم الخاص أو تقنين أسعاره" هي صحيحة إلى حد كبير في معناها المباشر، لكنها منقوصة قانونياً ومضللة للغاية دون إضافة فروق دقيقة وجوهرية.
تفتقر الوزارة بالفعل إلى سلطة مباشرة وشاملة للتحكم في أسعار جميع المدارس الخاصة. ومع ذلك، فإن هذا "الفراغ" الظاهري تملؤه شبكة متطورة من السلطات والقيود الأخرى:
- التأثير غير المباشر: سلطة التفاوض على الرسوم مع المدارس "الشريكة" مقابل امتيازات (المرسوم 2.00.1015).
- التدخل في الأزمات: السلطة الكامنة لفرض ضوابط مؤقتة على الأسعار أثناء أزمة وطنية (القانون 104.12).
- تنظيم السوق: الواجب، بتوجيه من مجلس المنافسة، لضمان الشفافية والعمل على وضع معايير للجودة، مما يشكل بيئة السوق.
- القيود القضائية: حقيقة أن القضاء سيتدخل لحماية الحق الأساسي في التعليم، مما يضع حداً صارماً على ممارسة المدارس لسلطتها التعاقدية.
الحكم النهائي هو أن دور الوزارة ليس دور مُسعِّر، بل هو دور منظم للسوق، وشريك، وحارس للمهمة الخدماتية العمومية للتعليم، وهي تعمل ضمن إطار يعطي الأولوية للحرية الاقتصادية ولكنه يخضعها لضوابط وتوازنات دستورية وقضائية.
توصيات وآفاق مستقبلية
لا يزال النقاش السياسي دائراً حول تعديل القانون 06.00 لمنح الوزارة سلطة مباشرة أكبر.26 ومع ذلك، فإن المسار الأكثر واقعية على المدى القصير يكمن في التنفيذ الكامل لخارطة الطريق التي وضعها مجلس المنافسة. ويشمل ذلك:- الانتهاء من العقد النموذجي وتعميمه لتنظيم العلاقة بين الأسر والمؤسسات.
- إرساء الإطار المرجعي الوطني للجودة للسماح بتقييم موضوعي للمدارس.
- إنشاء بوابة معلومات عامة يمكن للآباء من خلالها مقارنة المدارس بناءً على مقاييس جودة معتمدة وجداول رسوم رسمية.
- كما أن فكرة تطوير "دفتر تحملات" أكثر تفصيلاً للمدارس الخاصة، يحدد التزاماتها فيما يتعلق بالشفافية وجودة الخدمة كشرط للترخيص، يمكن أن تكون أداة قوية لفرض النموذج التنظيمي الجديد دون الحاجة إلى تعديل القانون الأساسي. إن المسار المستقبلي يتجه نحو تمكين المستهلك (الأسرة) من خلال المعلومات والجودة، بدلاً من السيطرة المباشرة على المزود (المدرسة).
إذا أعجبك الموضوع، اضغط إعجاب للصفحة
Tags
إضاءات قانونية
